مجلس الشعب العربي

اهـــــــــــلا بكم فى مجلس الشعب العربى وطـــــــــــــــــــــــــــن واحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
نلتقي لنرتقي
للعرب صوت وللحديث بقية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مجلس الشعب العربي

اهـــــــــــلا بكم فى مجلس الشعب العربى وطـــــــــــــــــــــــــــن واحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
نلتقي لنرتقي
للعرب صوت وللحديث بقية

مجلس الشعب العربي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دعوة لكل شباب العالم العربي لمجلس الشعب العربي للتناقش والتقرب من بعضنا البعض وتذليل اية معوقات تحول بينا وبين حلمنا وهو وطن عربي واحد وطن واحد امة واحدة

اهلا بكم في مجلس الشعب العربي شاركونا عبر جروبنا المميزعلى الفيس بوك

    اين العرب من مجتمع المعرفه

    hassan tayea
    hassan tayea


    عدد المساهمات : 317
    تاريخ التسجيل : 22/11/2011
    العمر : 34

    اين العرب من مجتمع المعرفه Empty اين العرب من مجتمع المعرفه

    مُساهمة من طرف hassan tayea الخميس 29 ديسمبر 2011 - 9:57

    أدرك المفكرون والفلاسفة منذ وقت طويل أهمية العلم وقوة المعرفة. فقد كتب ((فرنسيس بيكون)) قبل ما يقرب أربعة قرون أن ((المعرفة قوة))، وتحدث آخرون عن أهمية العلم والتقانة في التحولات التي شهدتها البشرية في مراحل انتقالها الحاسمة.

    فالقوة بمعناها التقليدي قد تحولت بما يتناسب والتطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية. فبينما كانت القوة العسكرية هي الحاسمة في عصر الزراعة، أصبحت القوة الاقتصادية هي المهيمنة في عصر الصناعة، ويتوقع علماء ((المستقبليات)) أن تكون المعرفة وتطبيقاتها التكنولوجية أبرز مظاهر القوة مع التحول الذي نشهده في بداية عصر المعرفة أو مجتمع المعلومات.(1)

    يبدو واضحاً اليوم أننا إزاء شكل جديد من التطور المجتمعي يعتمد في سيطرته ونفوذه على المعرفة عموماً والعلمية منها بشكل خاص. مثلما يعتمد على كفاءة استخدام المعلومات في كل مجالات الحياة، حيث يتعاظم فيه دور صناعة المعلومات بوصفها الركيزة الأساسية في بناء الاقتصادات الحديثة، وتتعزز فيه مكانة الأنشطة المعرفية لتتبوأ أكثر الأماكن حساسية وتأثيراً في منظومة الإنتاج الاجتماعي. وغالباً ما يطلق على هذا التحول وبصورة خاطئة ((عصر ثورة المعلومات)) ذلك لأن المعلومات لا تشكل إلا جزءاً من الثورة المعرفية التي تقوم على العلم والتقدم التكنولوجي في مجالات البيولوجيا ونظريات ((الكم)) وميادين المعلومات والاتصالات والتفاعل المستمر بين هذه الحقول الثلاثة.

    وكان التطور الأبرز في هذا المشهد ظهور نمط معرفي جديد يقوم على وعي أكثر عمقاً لدور المعرفة والرأسمال البشري في تطور الاقتصاد وتنمية المجتمعات وهو ما يطلق عليه ((اقتصاد المعرفة)). فقد أصبحت المعرفة مورداً اقتصادياً يفوق بأهميته الموارد الاقتصادية الطبيعية، بل إن القيمة المضافة الناتجة عن العمل في التكنولوجيا كثيفة المعرفة تفوق بعشرات وربما مئات المرات القيمة المضافة الناتجة عن العمل في الزراعة أو الصناعة التقليديتين. ويكفي إلقاء نظرة مقارنة على مساهمة القطاعات الاقتصادية والشركات التي تعمل في مجالات الذكاء الصناعي والبرمجيات والتقانات الحيوية والزراعة المعدلة وراثياً وبعض أنواع العقاقير إضافة إلى الاتصالات وأنظمة التسلح، للتأكد بأن المعرفة قد أدخلت المجتمعات المعاصرة التي تحتكر الإنتاج في هذه القطاعات في المرحلة ما بعد الصناعية فقد زاد حجم السوق العالمية للمعلوماتية عن تريليون دولار منذ عام الألفين.

    ترتب على هذه التحولات نتائج وآثار مباشرة وبعيدة المدى في آن. فلم تعد المعرفة سلطة وقوة فقط، بل أصبحت أبرز مظاهر القوة في عالم اليوم ولم يعد مجدياً بالنسبة للدول والمجتمعات التي تحاول تنمية اقتصاداتها واللحاق بركب التقدم العلمي تجاهل هذه الحقائق أو التأخر في أخذها بالحسبان.

    ولعل في رأس هذه الأولويات، إجراء زيادات حاسمة في الإنفاق المخصص لتعزيز إنتاج ونشر المعرفة، وخصوصاً في مجالات التعليم بمراحله المختلفة والبحث العلمي بمراكزه وميزانياته فضلاً عن استراتيجيات بناء القدرات البشرية، بما في ذلك إعداد الخبراء والباحثين وتشجيع الابتكار وبراءات الاختراع وحماية المتفوقين.

    وإذا اكتفينا بميدان الإنفاق على البحث العلمي نظراً لأهميته فإننا سنجد أن الدول الصناعية المتقدمة تنفق ما نسبته 2.5 ـ 3% من ناتجها القومي الإجمالي على البحث العلمي كما في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. بينما لا تزيد نسبة ما تخصصه البلدان العربية مجتمعة للبحث العلمي عن 1% من متوسط ناتجها القومي الإجمالي، علماً أن هذا المبلغ على ضآلته يدفع غالبيته كرواتب. فإنتاج ونشر المعرفة في البلدان العربية ما زال يعاني من جملة صعوبات تتمثل في نقص الدعم المؤسسي وعدم توافر البيئة المناسبة لتشجيع العلم، إضافة إلى انخفاض أعداد المؤهلين للعمل في البحث والتطوير الأمر الذي يتطلب إعادة هيكلة الإنفاق العام وتحديد الأولويات التنموية على ضوء المتغيرات(2).

    مجتمع المعرفة والاقتصادات المبنية على المعرفة مرحلة نوعية في تاريخ البشرية تجعل من المعرفة مورداً لا ينضب تسعى المجتمعات والدول لاكتسابه والاستفادة من المزايا التي يوفرها لمنتجيه. فالغني اليوم ليس غني الأموال فقط بل غني المعرفة، والفقير أيضاً ليس فقير الدخل فقط، بل فقير المعلومات، هذا إضافة إلى العلاقة المؤكدة التي تربط بين ارتفاع الدخل وتحسن المعارف والعكس بالعكس. تدلل المؤشرات المتوفرة عالمياً على أن حجم صناعة المعلومات قد تجاوز ثلاثة تريليونات دولار سنوياً، وهذه النسبة تشكل 50 ـ 60% من الناتج القومي للدول الصناعية الكبرى، كما يقدر حجم التجارة الإلكترونية بتريليون دولار، فالبورصات الإلكترونية والإعلان والتسويق والتوزيع على الإنترنت أشبه بحمى تجتاح العالم وتترك عليه بصماتها الواضحة.

    وشيئاً فشيئاً بدأت الثروة تأخذ مفهوماً رمزياً مختلفاً عما هو مألوف، وتغيرت المقاييس والمفاهيم، فبعد أن منحت الثقة إلى الذهب والفضة ثم إلى الأوراق النقدية، توصل العالم إلى قناعة مختلفة مفادها أن الإشارات الإلكترونية المتناهية الصغر يمكن مقايضتها مقابل سلع أو خدمات. ومع تنامي قطاع المعلومات لم تعد الثروة تعبر عن موجودات صلبة وملموسة كالأرض والمصانع بل أصبحت أسهماً في شركات وتكتلات اقتصادية تستمد ثروتها من الإمكانات المعرفية الموجودة في عقول القائمين عليها. فالمساهم إذاً لا يشتري أصولاً واضحة، لكنه يشتري القدرة التنظيمية والتسويقية والفكرية لهذه الشركات، وعليه فإن رأس المال يكاد يكون شيئاً رمزياً أو ما بعد رمزي، فالأسهم وبطاقات الائتمان المحوسبة والتدفقات المالية عبر الشبكة قد حولت الثروة أو مصدرها الرئيسي من الأشياء إلى الأفكار، ومن الموجودات إلى الكفاءة والخبرة والابتكار.

    ما يميز اقتصاد المعرفة إذاً الاعتماد المتزايد على قوة العمل المؤهلة والمتخصصة في مختلف ميادين الحياة، إلى جانب انتقال التنظيم الاقتصادي من الاعتماد على إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات.

    فحوالي 70% من القوة العاملة في كندا والولايات المتحدة واليابان تعمل في ميدان الخدمات. لكن أسلوب إنتاج المعلومة ونشرها واستنساخها قد قلل الفوارق بين السلع والخدمات. والمعلومة التي تشكل قوام مجتمع المعرفة أدت إلى اختلاف وتداخلات بين اقتصاد السلع واقتصاد الخدمات، ودمجتهما(3).

    وهكذا فإن الإنسان الفاعل في النظام الجديد هو إنسان متعدد المهارات وقادر على التعلم الدائم، الأمر الذي يتطلب سرعة التكيف والتأقلم مع التبدلات المتواترة الناتجة عن الطبيعة الاقتحامية والتحويلية للتكنولوجيا والتي تؤثر بشكل ملموس على النظم الاجتماعية والثقافية، وطرق العيش، وعادات الاستهلاك، ومعنى العمل ومكانته.

    إننا إزاء مهام جديدة تتطلب من الفرد والمجتمع قدرة على الفرز النقدي للوصول إلى اختيارات واعية في أنظمة التعليم والثقافة والإعلام، فيما لو أردنا أن نحافظ على هوية مجتمعاتنا الحضارية وانتمائها القومي من المسخ أو الذوبان في هذا التيار الدافق مع الاحتراز من خطر آخر لا يقل ضرراً، وأعني خطر التقوقع والجمود والانعزال عن روح العصر بدعوى المحافظة على الذات.

    وبالرغم من أن المجتمع العربي لا يزال مستخدماً لمنتجات التكنولوجيا أكثر منه منتجاً لها، فإن العرب يمتلكون أهم مقومات النجاح للدخول في مجتمع المعرفة، وهو الكادر البشري المتعلم والقابل للمواكبة والتطور، كما يمتلكون الرأسمال الضروري للنهوض بمؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي. ولا ينقصهم سوى الإدارة الكافية لتوفير البيئة التنظيمية والمناخ المجتمعي الذي يشجع على البحث والابتكار، لأن المواهب الفردية ـ على أهميتها ـ لا تستطيع العمل والمنافسة في بيئة إقليمية ودولية تتحول بشكل متزايد نحو المأسسة والتنظيم وحصر المعارف والتقنيات الأكثر تقدماً في أكاديميات ومراكز بحثية تستقطب الكفاءات من كل أنحاء العالم، لما تملكه من عوامل الجذب التي تبدأ بإعطاء تعويضات ومداخيل مغرية ولا تنتهي عند توفير الحريات الأكاديمية والإمكانات التقنية والإدارية بكل ما أثبتته في الميدان من الفاعلية والجدوى.

    #خصائص مجتمع المعرفة:

    #1 ـ الانفجار المعرفي:

    يعيش العالم انفجاراً معرفياً غير مسبوق، بحيث يندر أن يمر يوم أو شهر دون أن تحمل لنا المجلات والصحافة المتخصصة أنباء عن اكتشافات واختراعات جديدة. ففي مجال الإلكترونيات على سبيل المثال تتوالى المكتشفات بحيث أصبح التراكم المعرفي يتزايد بمتوالية هندسية ويتضاعف كل 18 شهراً. ويكفي أن نعرف أنه في عام 1500 عندما اخترع ((غوتنبرغ)) المطبعة كان إنتاج أوروبا لا يتجاوز ألف عنوان سنوياً، بينما يزيد الآن عن ألف عنوان يومياً. وإن 90% من العلماء الذين أنجبتهم البشرية خلال كامل تاريخها يعيشون الآن بيننا. كما أن غالبية هؤلاء أي أكثر من 90% منهم يعملون في البلدان المتقدمة. وتشير المعطيات إلى أن البشرية قد راكمت في العقدين الأخيرين من المعارف مقدار ما راكمته طوال الآلاف السنين السابقة التي شكّلت التاريخ الحضاري للإنسانية(4).

    #2 ـ التسارع:

    كان التغير وما يزال سنة الكون وقانون الوجود الأبرز. وحيث أن التغير في فجر التاريخ كان بطيئاً وغير ملحوظ، فإنه حالياً يتسم بتزايد سرعته باستمرار. ومن أمثلة هذا التسارع سرعة المواصلات والنقل. فبعد أن كانت أقصى سرعة للإنسان عند اختراع العجلة/ الدولاب سنة 1600ق.م حوالي 20كم/ ساعة أصبحت بعد اكتشاف البخار سنة 1825 حوالي 100كم/ ساعة، ووصلت السرعة في أواخر القرن العشرين إلى 500كم/ ساعة في قاطرات الوسادة المغناطيسية، ثم وصلت السرعة إلى أكثر من 50.000 كم/ ساعة بالصواريخ.

    أما على مستوى نقل معطيات الصوت والصورة بواسطة الأنظمة الرقمية (Digital) فقد أصبح نقلها وبسرعة الضوء البالغة 390.000 كم/ثا إلى أي مكان أمراً عادياً.

    من ناحية أخرى تقلصت الفترة الزمنية الفاصلة بين ظهور الفكرة وبين تطبيقها. فقد ظهرت فكرة التصوير الشمسي عام 1727 ولم يتمكن أحد من وضعها في التطبيق قبل عام 1839 أي بعد 112 سنة، بينما تقلصت الفترة الفاصلة بين الاكتشاف وتطبيقه إلى سنتين في حالة الترانزيستور في أول خمسينات القرن العشرين، وهي الآن لا تتجاوز بضعة أشهر لمعظم الأفكار الجديدة.(5)

    #3 ـ التطور التكنولوجي:

    عندما نتحدث عن تطبيق الأفكار وتحويلها إلى أدوات وسلع وخدمات فإننا نقصد التكنولوجيا/ التقنية. والتكنولوجيا ذات طبيعة اقتحامية وتحويلية، بمعنى أنها تقتحم المجتمعات سواء كانت بحاجة إليها أو غير راغبة فيها، وذلك من خلال ما تقدمه من سلع وخدمات وحاجات جديدة.

    وغالباً ما تكون التكنولوجيا الأحدث أحسن أداء وأرخص سعراً وأصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر تقدماً وتعقيداً من سابقتها. كما أن المعرفة والمعلومات اللازمة لإنتاجها أكثر كثافة وتتطلب ارتفاعاً متزايداً للقدرات البشرية من علماء ومطورين وتقنيين.

    ولعل من أهم التطورات التكنولوجية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة:

    ـ طيران مفرط الصوتية (خمسة أضعاف سرعة الصوت).

    ـ الهندسة الجينية والتقانة الحيوية بآفاقها الواعدة (الاستنساخ).

    ـ مواد مخلفة جديدة لم تكن موجودة في الطبيعة كالألياف الضوئية والبلورات السائلة والخزفيات عالية التوصيل وألياف الكربون وتطبيقات الليزر وغيرها.

    ـ الاندماج بين ثورة الاتصالات والكمبيوتر مع إمكانية الاتصال اللحظي التي تسمح بالحوار عبر المحيطات.

    ـ تزايد إنتاج وتوليد المعرفة واكتشافها المتواصل من الخزان اللانهائي (الطبيعة) والاعتماد على هذه المعرفة في إنتاج وتوليد السلع والخدمات.

    وبشكل مختصر تم اكتشاف القوانين الأساسية للعلم في مجالات المادة والحياة والعقل من خلال تحطيم نواة الذرة، وفك شيفرة نواة الخلية الحية، وتطوير الكمبيوتر الإلكتروني وما سبقهما من اكتشاف لقوانين الكم/ الكوانتم على يد اينشتاين وهايزنبرغ.

    ومن الواضح أن هذه الحقول الثلاثة التي تشكل أعمدة العلم الحديث قد فتحت آفاقاً غير مسبوقة من إمكانات التقدم في المستقبل.

    #4 ـ انهيار الفواصل الجغرافية والتنافس في الوقت:

    أصبح التنافس في الوقت والعمل في الزمن الحقيقي في كل مواقع العمل والخدمات التي تعمل بلا توقف لتلبية احتياجات المستهلكين في جميع أنحاء العالم هو السمة الأبرز للإنتاج بالرغم من الفواصل الزمنية واختلاف التوقيت. فلم تعد البنوك تغلق أبوابها بعد انتهاء ساعات العمل المحددة وكذلك المكتبات والبورصة وشركات السياحة والطيران.. الخ. بمعنى أنه لم تعد هناك حدود زمنية لتوفير الخدمات والمنتجات وأصبح الناس في تنافس مفتوح في الفاعلية والوقت.

    أما الصعوبة الثانية التي تواجه البحث العلمي فهي انخفاض معدلات الإنفاق على البحث والتطوير بشكل ملفت رغم كل الأموال العربية المقيمة والمهاجرة. إذ لا يتجاوز الإنفاق على البحث العلمي 2% من إجمالي الدخل المحلي يصرف في غالبيته كرواتب، بينما تنفق السويد 3.02% وناتجها المحلي الإجمالي تليها اليابان بنسبة 2.84% والولايات المتحدة الأمريكية 2.68%. واللافت أن نسبة ضخمة من الإنفاق على البحث العلمي والتطوير في البلدان المتقدمة تأتي من قطاع الأعمال والشركات الكبرى وهي على التوالي 72% في أمريكا و66% في اليابان وألمانيا و65% في إنكلترا و62% في فرنسا.

    ويكفي أن نعلم أن حجم ما تنفقه الولايات المتحدة منذ عام 1997 على البحث العلمي يصل إلى 179.126 مليار دولار مقابل 133021 مليار دولار لليابان إلى 55.003 مليار لألمانيا وصولاً إلى 3.425 للصين.(6)

    تدلل المؤشرات السابقة على حجم الصعوبات والمشكلات التي تواجه مؤسسات ومراكز إنتاج المعرفة في البلدان العربية. فضعف الدعم المؤسسي وعدم توفر البيئة المناسبة لتنمية العلم وتشجيعه وانخفاض أعداد المؤهلين للعمل في الحقول العلمية المتقدمة مثل تقانة المعلومات والتقانات الحيوية والذكاء الصناعي، إضافة إلى عوامل الجذب الموجودة في البلدان المتقدمة وما يقابلها من عوامل طرد ونبذ في بلداننا وما تسببه من هجرة للعقول والأدمغة العربية، تجعل من الصعب الحديث عن مستقبل واعد لإنتاج المعرفة رغم ما نملكه من رأس مال بشري مهم يمكنه في حال حسن الاستفادة منه أن يشكل أساساً صلباً لقيام نهضة معرفية مأمولة في المجتمع العربي تعتبر سلاحه الأقوى في مواجهة تحديات الألفية الجديدة.

    على صعيد آخر تغيرت طبيعة الوظيفة والعمل عما كان عليه الحال في عصر الصناعة. فبعد أن كانت الحالة تتطلب انتقال طالب الخدمة إلى مؤدي الخدمة في مكتبه أو معمله أو جامعته أو عيادته، غدا بالإمكان الحصول على الخدمات من خلال عالم أساسه ((اتصل ولا تنتقل))، فالجامعة الافتراضية والعيادة التي تقدم الاستشارات والعلاج عن بعد، والتجارة الإلكترونية، والعمل في المنزل، غيرت المفهوم التقليدي للعمل والوظيفة. فالمنافسة العالمية في أداء الأعمال عن بعد تضمن أن تكون هذه الأعمال على أعلى مستوى من الجودة والكفاءة.

    #5 ـ ارتفاع المكونات المعرفية وتضاؤل المكونات المادية:

    تتميز المنتجات الجديدة بتوظيف كثيف للمعلومات والمعارف وتتضاءل شيئاً فشيئاً قيمة المكونات المادية. فبعد أن كانت الأجزاء المادية تشكّل 30% من قيمة المنتج، فإنها وصلت إلى حوالي 10% اليوم وينتظر أن تنخفض إلى أقل من 2% عام 2010.

    تعود الأسباب الكامنة وراء هذا التحول إلى المواد الجديدة المخلّقة وإلى تزايد قيمة المكون المعرفي في المنتج، وقبل كل ذلك تعود إلى ارتفاع تكلفة البحث والتطوير اللازمة لتوفير منتجات جديدة تأخذ بعين الاعتبار معيار الجودة كأساس للمنافسة.

    سوف يترتب على هذه التحولات التي تقلل من شأن المنتجات المادية والمصادر الطبيعية الأمر الذي سيزيد من هامشية الدول والبلدان التي تعتمد في ثروتها على هذه الموارد والمصادر وذلك بسبب الانخفاض المتواصل للقيمة المضافة في هذه المنتجات مقابل الزيادات المتواصلة والحاسمة في القيمة المضافة للمنتجات كثيفة المعرفة كما في البرمجيات والذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحيوية وغيرها. وفي هذه الخاصية تحديداً ينفتح الحديث عن ((اقتصاد المعرفة)). فما المقصود باقتصاد المعرفة وما هي الآفاق التي يفتحها؟

    #نموذج إرشادي جديد:

    لا تقتصر نتائج التحولات المرافقة لعصر المعرفة ومجتمع المعلومات على ما يمكن أن ينتج عنها من آثار مباشرة أو غير مباشرة فحسب، بل تتصل بتغيّر المرجعيات والأسس والقواعد التي يرتكز عليها تطور المعرفة نفسه.

    في تفسيره لآلية حدوث الثورات العلمية يقدّم ((توماس كون)) في كتابه الشهير ((بنية الثورات العلمية)) لإجابته باقتراح مفاده أن نغيّر نظرتنا إلى تاريخ العلم ولا نراه ((على أنه وعاء لأحداث متتابعة زمنياً ومن ثم تراكمياً)) لأن تغيير النظرة يستتبعه تحوّل حاسم في تصور العلم. والصورة البديلة أو الجديدة هي تمايز بين مرحلتين أو شكلين من تطور العلم داخل إطار حاكم يشكّل ((نموذجاً إرشادياً)) (Paradigm) قوامه شبكة محكّمة من الالتزامات المفاهيمية والمنهجية. هذا التمايز سيفضي إلى مرحلة ثانية هي مرحلة الثورة العلمية، حيث يتم استبدال النموذج الإرشادي القديم بآخر جديد تتغير معه صورة الوقائع ومعايير القبول والرفض في أوساط الجماعة العلمية.

    هكذا تشكّل كل نظرية أو مجموعة نظريات علمية نموذجاً إرشادياً وهو بمثابة الإطار النظري والمرجعي للقواعد والمعايير والمفاهيم التي تنطوي عليها النظرية، إضافة إلى مجموعة من الشروط الاجتماعية والنفسية والتاريخية. لكنّ هذه النظريات التي يؤطرها نموذج إرشادي واحد، غالباً ما تحتوي على بعض الثغرات والنواقص والعيوب. وفي مجال الجهد المبذول لحلها أو تلافيها تبدأ عناصر تكون بداية نموذج إرشادي آخر بالتكوّن في قلب النموذج القديم وتولد نظريات جديدة إما بشكل تدريجي متسلسل وتراكمي أو بشكل طفروي وفجائي على نمط القطيعة المعرفية (Epistemology Break)، وتأتي الثورات العلمية الجديدة كإجابات لأسئلة قديمة أو ردود على أسئلة متوالدة تسهم في تقديم الحلول والتفسيرات لمستجدات الحياة العلمية، والتي لم تعثر حتى لحظة ولادة النموذج الإرشادي الجديد على الإجابات الكافية.

    وقد بات في حكم المؤكد أن التطورات العلمية المتسارعة قد أربكت وربما تجاوزت لا تفسيرات (كون) وحدها، بل فلسفة العلم برمتها والتي أصبحت مطالبة بتقديم العديد من الإجابات المختلفة التي لا تقتصر على ميدان العلم بذاته، بل تطال الإنسان والمجتمع عموماً. ويكفي لاكتشاف محدودية إجاباتنا الجاهزة أن نتوقف عندما يطرحه علينا الاستنساخ (Cooling) من أسئلة وشكوك ومخاوف، الأمر الذي يمتد ليشمل تصوراتنا عن مستقبل الذكاء الصناعي وعن أجهزة الإنسان الآلي ذات الوعي الذاتي والتي يتوقع أن تمتلك قدر من الإدراك الذاتي وإمكانية تطوير نفسها تلقائياً وبمعزل عن رغبة أو سيطرة الإنسان. ما الذي يمكن أن يحدث عندما تفترق مصالح الإنسان الآلي عن مصالح البشر؟ هنا يصطدم الذكاء الصناعي مع الخيال العلمي لأننا نتعامل مع آلات تمتلك إرادة مستقلة ومزودة بقدرات عقلية وفيزيائية جبارة قد تتفوق بسهولة على قدراتنا. والميزة التي يمكن أن تمتلكها، أن باستطاعتها في الطور الخامس من الآلات الحاسوبية، أن تعدّل أوامرنا البشرية مستخلصة استراتيجيات لم تخطر ببال مخترعيها من البشر. وسيفتح هذا على الأرجح حقولاً جديدة للعلم والصناعة. لكن المشكلة أنها يمكن أيضاً أن تتناقض مع إرادة البشر وأوامرهم وتشكل خطراً على وجودهم.

    #قوة المعرفة في العالم العربي:

    لقد بات واضحاً أن التقدم الحاصل في التكنولوجيا والتغير السريع الذي تحدثه في الاقتصاد يؤثران ليس فقط في درجة النمو وسرعته فحسب، بل في نوعية حياة الإنسان (Quality of life) باعتبارها مؤشراً حاسماً على وجود تنمية بشرية قابلة للبقاء. فثورة التكنولوجيا ولا سيما في ميدان الاتصالات والإنترنت، أخذت تؤثر مباشرة على تعليم الإنسان وتربيته وتدريبه، وتجعل من عامل السرعة في التأقلم مع التغيير من أهم العوامل الإنتاجية. فالمجتمع الذي لا يسعى إلى مواكبة التطور العلمي، شأنه شأن الإنسان، سرعان ما سيجد نفسه عاجزاً عن دخول الاقتصاد الجديد (اقتصاد المعرفة) والمساهمة فيه. والدول التي لم تدرك بعد أن المعرفة هي العامل الأكثر أهمية للانتقال من التخلف إلى التطور، ومن الفقر إلى الغنى، وبالمعنى التنموي للعبارة أي فقر الدخل وفقر القدرات، ستجد نفسها على هامش التحولات، بل والمتضرر الأكبر منها.

    والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين نحن كمجتمع عربي وكبلدان من هذا التطور العاصف للعلم والتكنولوجيا، ومن هذا الاتساع المتواصل لنطاق المعرفة ودورها. ثم ما هو مستقبل العالم العربي داخل مجتمع المعرفة العالمي؟

    تفترض الإجابة المتأنية على السؤال المركب السابق الانطلاق من التعرّف على واقع قوة المعرفة في العالم العربي، وذلك من خلال التوصيف التحليلي لحالة مؤسسات إنتاج ونشر المعرفة في واقعها الحالي وفي احتمالات تطورها المستقبلية.

    #أولاً ـ مؤسسات نشر المعرفة (الإعلام والتعليم):

    تواجه عمليات نشر المعرفة في البلدان العربية صعوبات عديدة من أهمها قلة الإمكانات المتاحة للأفراد والمؤسسات والتضييق على حريات أنشطتها خصوصاً في مجال الإعلام. ومع ذلك حقق العالم العربي إنجازات كمية وكيفية ملموسة خلال النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع القرن الجديد. فقد ارتفع عدد المسجلين في مراحل التعليم الثلاثة من 5 ملايين تلميذ إلى أكثر من 65 مليوناً. وازداد عدد الجامعات من ثماني في خمسينات القرن العشرين إلى أكثر من مائة جامعة في أواخره. وقطعت العديد من الدول العربية أشواطاً مهمة في ميدان مكافحة الأمية. لكن وبالمتوسط العام ما يزال التعليم العربي يعاني من مجموعة كبيرة من المشكلات. فكمياً لم يتم استيعاب كل الأطفال العرب في التعليم الأساسي ما يعني استمرار تفشي الأمية خصوصاً بين الإناث، كما أن نسبة من ينتقلون إلى المراحل التعليمية الأعلى ما زالت منخفضة في الشرائح العمرية الموازية بالمقارنة حتى مع بعض البلدان النامية، كما وبالمقارنة مع احتياجات التنمية.

    أما على مستوى نوعية التعليم العربي فما زال يعاني من تدني نوعيته ومن ضعف العلاقة التي تربطه بسوق العمل، الأمر الذي يقوّض واحداً من الأهداف الأساسية للتنمية البشرية المستدامة وهو الارتقاء بنوعية حياة البشر وتعظيم قدرات الناس.

    ومن المعروف أن العتبة الدنيا الضرورية للحاق بمجتمع المعرفة والمعلومات تقضي التخلص من الأمية الأبجدية وتخفيض الأمية التكنولوجية إلى مستوى 20% على الأقل من مجمل السكان وهذا يتطلب إعادة النظر نقدياً في المكونات الرئيسية لنظام التعليم، أي السياسات التعليمية وأعضاء هيئة التدريس والمعلمين، فضلاً عن تحسين شروط عمل هؤلاء ومراجعة المناهج الدراسية والمقررات الدرسية وصولاً إلى منهجيات التعليم. وهذا يشمل مدخلات العملية التعليمية التي ستؤثر بصورة مباشرة على مخرجات التعليم ونوعيته.

    ودون اقتناع النخب السياسية العربية وراسمي السياسات التنموية بأن الاستثمار في مناجم العقول هو الاستثمار الأمثل والأكثر جدوى وفاعلية وديمومة الأمر الذي يتطلب تحولاً جذرياً في الإنفاق على الميكانزمات التنموية الأساسية وخصوصاً التعليم والبحث العلمي، فإن الأمل ضعيف في دخول مجتمع المعرفة من باب المشاركة والإسهام الفعال في العصر. وسينحصر موقعنا في أحسن الأحوال في استهلاك منتجات العلم والتقنية دون التمكن من المشاركة في إنتاجها.

    وبالانتقال إلى وسائل الإعلام والاتصال الحديثة بوصفها إحدى أهم آليات نشر المعرفة على مستوى جماهيري، فإننا نلاحظ أن الإعلام العربي ما يزال في غالبيته يعاني من ضعف بنيته التحتية ومضامينه، وتعرقله قوانين وتشريعات تحد من حريته وفاعليته وتؤثر على دوره في أداء رسالته الحضارية. وباستثناء بعض الفضائيات العربية التي تمكنت من توفير كفاءات مهنية معترف بها وهامش من الحرية النسبية الضروري للنجاح والاستمرار، ما يزال الإعلام العربي يعاني العديد من المشكلات تجعله دون مستوى تحدي بناء مجتمع المعلومات. إذ لا يزيد عدد الصحف في البلدان العربية عن 53 صحيفة لكل 1000 شخص، مقارنة مع 285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة. والصحافة العربية عموماً محكومة ببيئة تتسم بتقييد حرية التعبير والرأي. وما التعطيل عن الإصدار والضبط والمصادرة والتعرض لعقوبة الحبس أو الإيقاف عن ممارسة المهنة، سوى أمثلة عن الصعوبات التي تواجهها الصحافة ووسائل الإعلام في الدول العربية.(7)

    مع ذلك شهد الإعلام العربي في السنوات الأخيرة تحولات إيجابية يصعب تجاهلها. فدخول عنصر المنافسة وكسر احتكار الإعلام الرسمي حرك الجمود وأدخل بعض الصحف والفضائيات العربية في منافسة قوية مع مثيلاتها في العالم، وخلق حراكاً إعلامياً أسهم في تكوين رأي عام عربي بدأ في التبلور خصوصاً في المسائل والقضايا العامة التي تشكل قواسم مشتركة بين المواطنين العرب. بهذا المعنى يمكن لهذه الحركة الإعلامية أن تلعب دوراً إيجابياً ومؤثراً خصوصاً وأنها تخاطب وباللغة العربية الشريحة الأوسع من المواطنين وتنفذ إلى كل بيت عربي.

    #ثانياً ـ مؤسسات إنتاج المعرفة (البحث العلمي):

    تعتبر مؤسسات نشر المعرفة العربية، رغم كل صعوباتها، في وضعية أفضل بكثير من مؤسسات إنتاج المعرفة وخاصة في مجال البحث العلمي. إذ تبين المعطيات المتوفرة تواضع أعداد العلماء والباحثين في المجتمع العربي مقارنة بنظرائه في البلدان المتقدمة. فبينما يصل عدد العلماء والفنيين في الدول المتقدمة إلى 4 علماء ولكل 1000 من السكان، فإنه لا يتجاوز عالم واحد لكل 1000 من السكان حسب تقرير التنمية البشرية لعام 1997. كما يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني للعام 2003 إلى نسبة قريبة وهي 371 لكل مليون من السكان مقابل 979 لكل مليون من السكان أي أقل من المعدل العالمي بكثير، فالثورة العلمية التقنية اخترقت كل الحواجز والحدود وأصبحنا نعيش المجتمع التخيلي/ الافتراضي (Virtual society) الذي يتعامل فيه الناس دون أن يلتقوا وجهاً لوجه.

    #أهمية التعليم والبحث العلمي (حالة سوريا):

    تتألف منظومة المعرفة من بنى رمزية تشمل المعطيات والمعلومات والأفكار والإجراءات التي يمتلكها الأفراد والمجتمع ككل. بهذا المعنى تنطوي منظومة المعرفة على كل ما يدخل في تشكيل البنى الرمزية مثل التعليم والتدريب والخبرة المكتسبة والخبرات المكتسبة حياتياً وعملياً.

    إن مكونات المنظومة المعرفية والتي تتمحور حول بناء رأس المال المعرفي من خلال أدوات إنتاج المعرفة أي البحث والتطوير، والعلوم والآداب، وتقانة المعلومات والاتصالات. إلى جانب أدوات الحصول على المعرفة ونشرها مثل التعليم والتدريب، والإعلام والترجمة والنشر. ولا غرابة أن يحتل البحث والتطوير R & D طليعة تلك المحفزات بنسبة 35% نظراً لأثره المباشر وقدرته على إنتاج معارف جديدة. يليه من حيث الأهمية التعليم بمراحله المختلفة الجامعي والثانوي والأساسي والذي تتراوح نسبة تحفيزه بين 32% للأساسي و33% للثانوي بينما تصل هذه النسبة إلى 37% للتعليم الجامعي. وتأتي في المرتبة الثالثة الكتب المترجمة والمؤلفة 32% و33% على التوالي.

    أما عن المستوى التعليمي للقوى العاملة في سوريا، فإن المعطيات المتوفرة تبين أن 50% من الموظفين السوريين البالغين مليون شخص لا يتعدى تحصيلهم العلمي المرحلة الثانوية بما في ذلك الشهادة الإعدادية والابتدائية والملمين بالقراءة والكتابة.

    في حين تبلغ نسبة حملة الدبلوم التقني أي المعاهد المتوسطة 31% من المجموع. بينما يحمل 17% من هؤلاء الإجازة الجامعية. ولا تتعدى نسبة حملة الماجستير والدكتوراه 03% و02% على التوالي، أي أن عدد الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه بين الموظفين السوريين يبلغ حوالي 5000 خمسة آلاف شخص وهي نسبة منخفضة. وبالرغم من تفسير البعض لانخفاض مؤهلات الكادر الحكومي ويعزوه إلى منافسة القطاع الخاص الذي يستقطب الخبرات والكوادر البشرية المدرّبة بالنظر إلى ما يقدمه من حوافز مادية، إلا أن هذه المعطيات تدلل بوضوح على أهمية مراجعة معايير آليات التوظيف، وإعداد خطط واستراتيجيات تمكننا من الاستفادة من المؤهلات والخبرات العالية في إطار العمل الوظيفي.

    لكن دراسة جديدة حول إمكانيات النمو الاقتصادي المستدام في سوريا، كانت قد قدرت مساهمة رأس المال البشري في الناتج المحلي كجزء من مساهمة العمالة في الناتج كما يلي:

    نسبة مساهمة رأس المال البشري = نسبة مساهمة العمالة (حصة الأجور من الناتج) * نسبة الحد الأدنى للأجور مقسوماً على وسطي الأجور. أي أن كل الأجور التي تدفع بعد الحد الأدنى تكون نتيجة لعدد سنوات التحصيل العلمي أو التدريب والخبرة في العمل، وهي تندرج في إطار تكوين الرأسمال البشري. وكانت النتيجة أن نسبة مساهمة الرأس مال البشري في سوريا تتراوح بين 10 ـ 15% من الناتج المحلي. أما بمعيار عدد سنوات دراسة القوى العاملة فقد بلغت 7.5 سنة في سوريا بينما تبلغ 12 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية.

    ولاحظ الباحث أن كل سنة في الكلية تزيد الدخل بمقدار 10 ـ 15% في أمريكا، بالمقابل تزيده بحوالي 3.5% في القاع العام في سوريا، الأمر الذي يؤكد أهمية إعادة النظر بمعايير واستراتيجيات التوظيف. فهذه النسبة المنخفضة لمساهمة التعليم في زيادة الدخل، أضعفت حافز التعليم الذي يعتبر أهم محركات التنمية المستدامة كما تؤكد تجارب عديدة في أوروبا وأمريكا وآسيا. وسنأخذ على سبيل المقارنة وكنموذج واضح الدلالة تجربة سنغافورة في التعليم.

    #نظام التعليم في سنغافورة ـ نموذج الجودة النوعية:

    توضح دراسة تفصيلية قام بها (دافني بان) بعنوان نموذج الجودة النوعية في نظام التعليم السنغافوري، أهمية العلم بوصفه مدخلاً رئيسياً لمجتمع المعرفة. يعتقد (بان) أن الكفاح طويل الأمد من أجل النجاح الاقتصادي سيكون في صلب الفصل الدراسي أكثر منه في سوق العملات. لهذا لجأت سنغافورة هذا البلد الآسيوي الصغير إلى التعليم بوصفه قوة الدفع الاستراتيجية الرئيسية من خلال تبني سياسة الجودة النوعية في التعليم، ومن خلال تخصيص 3% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) أي ما يقارب 2.3 مليار دولار أمريكي في مجال تطوير التعليم.

    وبعد الاستقلال مباشرة سنة 1959 حدث توسع سريع في التعليم استجابة للأهداف الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، كما تم تكثيف الجهود لأجل:

    ـ تنفيذ التعليم الإلزامي المجاني، مع مزيد من المدارس الثانوية.

    ـ مزيد من التركيز على تدريب المعلمين.

    ـ مزيد من الاهتمام بتطوير البحوث والمناهج التعليمية.

    ـ استحداث سياسة الازدواج اللغوي (الإنكليزية واللغة الأم) لزيادة الإنتاجية والانسجام الاجتماعي والتماسك الوطني.

    ـ التركيز على الرياضيات والعلوم والمواد التقنية. وإقامة المدارس للتدريب على الجوانب المهنية والتقنية والتجارية لتوفير قاعدة قوى عاملة لخدمة التصنيع.

    ثم جرت عملية مراجعة لهذه الأسس وتصويبها بحيث لا يقتصر التعليم على زيادة طاقات الفرد وقدراته، بل يتعدى ذلك إلى مجتمع مبدع ومفكر ومجدد مع مهارات مرنة في كل مستوى من مستويات الاقتصاد.

    أما في التسعينات فقد تم تبني إدارة الجودة النوعية للتعليم من خلال:

    ـ تزويد الجميع بالتعليم برفع كفاءة رياض الأطفال، وتوفير ما لا يقل عن 10 سنوات من التعليم الأساسي.

    ـ زيادة التمويل والحوافز التعليمية.

    ـ اجتذاب المعلمين الجيدين وتعديل الرواتب.

    ـ ضمان دخول 20% من كل فئة عمرية إلى الجامعات و40% إلى المعاهد التقنية. وقد جاءت أرقام عام 1996 لتؤكد تحقيق الهدف حيث بلغت نسبة المنتسبين إلى الجامعة 22%، بينما كانت نسبة الملتحقين بالمعاهد 38%.

    ـ تخصيص 1.16 مليار دولار أمريكي لإيجاد مدارس ذكية، بعد أن تأكد أن تقنيات المعلومات أداة تعليمية متفوقة.

    ـ توسيع التعليم في الدراسات العليا والعمل على جعل الجامعات السنغافورية عالمية المستوى.

    ـ مراجعة مناهج المراحل الجامعية الأولى لضمان ملاءمتها وحداثتها.

    ـ استحداث استراتيجيات تعليم وتعلم تتسم بالتجديد والإبداع واجتذاب الطلبة الموهوبين.

    ـ جعل سنغافورة مركزاً للتعلم مع استقطاب مشاركة علماء بارزين وتقديم المساعدة للبلدان الأقل تطوراً في المنطقة.

    ـ التعاون مع العمال والنقابات وأصحاب العمل لتوفير التدريب المناسب ورفع الكفاءة(Cool.

    إذا كانت هذه الأسس هي التي ألهمت تجربة نموذج الجودة النوعية في التعليم فإن الاستمرار والمواظبة والتقييم وإعادة النظر بثغرات التجربة كانت المكيانزمات التي ضمنت النتائج المطلوبة، فما هي هذه النتائج، وإلى أي حد تشكل هذه التجربة نموذجاً في تطوير التعليم؟

    إذا كانت الجودة النوعية تعني الملاءمة للهدف فإنها تدل في نفس الوقت على التفوق والمستوى العالي. فالتعليم المتصف بالجودة هو التعليم الفاعل والمتميز بالكفاءة والجدير بالتقدير.

    أما على مستوى النتائج الواقعية فقد كانت تجربة التعليم في سنغافورة مميزة على أكثر من صعيد. حيث يتفوق الطلبة السنغافوريون في أدائهم على المستويات الوطنية والعالمية، وينظر إلى التعليم بكل تقدير واحترام على كافة المستويات. فقد احتلت جامعة سنغافورة الوطنية المرتبة الثانية بين أفضل خمسين جامعة في آسيا. وقد أصبحت مقاييس التعليم في سنغافورة مستقرة وراسخة إلى درجة أن جامعة كاليفورنيا الأمريكية قد قررت استخدامها في تقويم مناهجها لمادة الرياضيات.

    كما احتل الطلاب السنغافوريون المرتبة الأولى بين 45 دولة في دراسة الرياضيات والعلوم التي ترعاها الرابطة الدولية لتقويم التطوير التربوي. كما يفوز السنغافوريون سنوياً بالأولمبياد الدولي للرياضيات والكيمياء والفيزياء.

    وبعد ذلك فقد تبنت سنغافورة ثلاث أولويات لنظام التعليم بالجودة هي، تطوير المهارات الفكرية وتعزيزها، واستغلال تقنيات المعلومات في التعليم والتعلم، إضافة إلى التعليم الوطني. فهل من الحكمة تجاهل هذه التجربة الغنية بالاستخلاصات والدروس والخبرات؟

    لقد برهنت التجارب المتعددة أن التعليم على المستويين الفردي والمجتمعي هو أحد أهم أعمدة بناء أدوات المعرفة، وهو السبيل الأمثل لبناء الكادر البشري المؤهل، الأمر الذي يتطلب تحقيق تطوير نوعي في منظومة التعليم والتدريب كما دللت التجربة السنغافورية بوضوح.

    والتطوير النوعي للتعليم قضية تستدعي مقوماتها وشروطها. ولعل في طليعة هذه الشروط اختيار أسلوب التعليم الإبداعي الذي يتجاوز أسلوب الحفظ والتلقين. ويكون دور الطلاب أساسياً في هذا الأسلوب حيث يطلب إليهم القيام بالتحليل والبحث واستنباط الحلول اعتماداً على المعلومات، فضلاً عن تشجيع التفكير الحر والمستقل بوصفه أحد مكونات التعليم النوعي.

    وبما أن الموارد البشرية عالية التأهيل والكفاءة والخبرة، تعتبر من أهم مدخلات ومقومات العمل في الأنشطة العملية والتطويرية والابتكارية. فإن الارتباط يبدو وثيقاً بين حالة التعليم عموماً، والعالي منه على نحو خاص، وبين حالة إنتاج المعارف. فالتعليم بمراحله المختلفة يقوم بتكوين وإعداد باحثي وتقنيي المستقبل.

    ولا يكتمل البحث في جودة التعليم أو التعليم النوعي إلا بالإجابة على السؤالين المركزيين التاليين وانطلاقاً من توجهات الفلسفة التربوية لعصر المعلومات وهما:

    لماذا نعلّم ونتعلم؟

    ثم ما هي مواصفات الإنسان ناتج التربية المنشودة؟

    وبالرغم من غياب نظرية وإجابات مكتملة ونهائية حول الإجابات، إلا أن هناك اتفاق شبه نهائي حول ثلاث غايات أساسية للتعليم هي:

    1 ـ إكساب المعرفة.

    2 ـ التكيف مع المجتمع.

    3 ـ تنمية الذات والقدرات الشخصية.

    وقد أضاف مجتمع المعرفة بعداً تربوياً وتعليمياً رابعاً وهو ضرورة إعداد إنسان العصر لمواجهة متطلبات الحياة في ظل العولمة. وذلك من خلال تحقيق الغايات الأربع، والتي يتفق عليها التربويون ومعدو تقرير اليونسكو تحت اسم ((التعليم ذلك الكنز المكنون)) وهذه الغايات هي:

    1 ـ تعلّم لتعرف.

    2 ـ تعلّم لتعمل.

    3 ـ تعلّم لتكون.

    4 ـ تعلّم لتشارك الآخرين.

    انظر الشكل

    #الغايات الأساسية للتعليم:

    بالرغم من اتفاق معظم المربين والمهتمين بمسألة التعليم على نقد الطرق التقليدية في التعليم والتي تعتمد أساساً على التلقين والحفظ، إلا أن البدائل العلمية لهذه الطرق العتيقة لم تتبلور بشكل كاف بعد. نعرض فيما يلي لتصور آخر مختلف.

    تواجه التربية العربية موقفاً صعباً للغاية، فقد أصبح لزاماً عليها أن تجدد رؤيتها الفلسفية لمواجهة المتغير المعلوماتي في غياب فلسفة اجتماعية عربية، وقصور الوعي العام في إدراك الجوانب التربوية العديدة لظاهرة المعلومات وعولمتها، وقد سعى عبد الله عبد الدايم إلى تجاوز هذه الإشكالية، بأن خلص إلى مجموعة من المبادئ التربوية الأساسية التي تضمنتها استراتيجية تطوير التربية العربية.


    تتفق معظم الآراء على أن تربيتنا الراهنة منحازة إلى غاية ((تعلم لتعرف)) على حساب الغايات الثلاث الأخرى، خاصة فيما يتعلق بغاية ((تعلم لتكون))، التي تهدف إلى تنمية قدرات الفرد ومواهبه، والاحتفاظ بهويته والاعتزاز بذاتيته. ونظرة سريعة إلى مصفوفة المبادئ والغايات الواردة في الشكل تؤكد لنا مدى الأهمية التي أولاها عبد الله عبد الدائم لشق ((تعلم لتكون)) في قائمة مبادئه التربوية، وهو ما يتناقض جوهرياً مع ما أشرنا إليه بالنسبة لتوجهنا التربوي الراهن، ويعكس حدة الانفصال بين مبادئنا وواقعنا، وبين استراتيجياتنا وممارساتنا العملية.

    #مستقبل مجتمع المعرفة:

    تبشر الحقبة القادمة من تطور المعرفة عموماً والعلمية منها بشكل خاص بتأثيرات ونتائج سوف تكون أعمق وأشمل وأبعد غوراً من كل تلك الحقب التي سبقتها.

    ومن الواضح أننا على أعتاب ثورة علمية أخرى. حيث تتضاعف المعرفة البشرية كل عشر سنوات. وقد أنتج العقد الأخير من القرن العشرين على سبيل المثال معرفة علمية أكثر مما خلفه التاريخ البشري بأكمله. هذا فضلاً عن تضاعف قدرة الإنترنت مرة كل عام وتضاعف قدرة الكومبيوتر كل ثمانية عشر شهراً. وفي كل شهر تحمل لنا عناوين الصحف والمجلات العلمية أخباراً جديدة في مجال الاتصالات واستكشاف الفضاء والكمبيوتر والبيولوجيا. وفي هذا الخضم الزاخر بالتحولات تتغير الصناعات وأساليب الحياة بكاملها وتفسح المجال لنشوء أنماط وأساليب جديدة ستسمح لنا بقطع ثمار ألفي عام من تقدم العلم من خلال الإمكانات والتطبيقات العلمية غير المحدودة التي ستمكننا من التحول من عصر الاكتشاف إلى عصر السيطرة والتحكم.

    ومع أن الاهتمام بالمستقبل قد شغل الناس منذ أقدم العصور، فكانت ((الكهانة)) و((العرافة)) وقراءة الكف والطالع والتنبؤ بالمجهول، إلا أن ذلك بقي في إطار الوعي الغيبي والأسطوري بالعالم، ولم يتحول إلى ميدان له معارفه وقوانينه إلا منذ فترة قصيرة نسبياً. حيث يمكننا اليوم الحديث عن ((علوم المستقبل)) أو ((المستقبليات)) التي تعمل على استشراف المستقبل عبر اجتهاد علمي منظم يهدف إلى صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة والتي تنطلق من بعض الافتراضات الخاصة حول الماضي والحاضر، لاستكشاف أمر دخول عناصر مستقبلية على المجتمع أو الظاهرة المعنية(9).

    بهذا المعنى نميز اليوم بين التنبؤ الغيبي والتنبؤ العلمي، فالأخير لا ينبع من فراغ ولا يأتي تلبية لميول ورغبات، بل ينجم عن فهم نواميس الكون وأحكامه مستعيناً بالاستنتاج والقياس والحدس، وقبل كل ذلك بالتجربة ونتائجها القابلة للقياس والتعليل.

    والواقع أن هناك إجماعاً شبه تام يظهر بين المشتغلين بالبحث العلمي (الجماعة العلمية) حول كيفية تطور المستقبل. وذلك لأن قوانين نظريات الكم والكمبيوتر والبيولوجيا الجزئية قد أنجزت بشكل جيد، فأًصبح من الممكن للعلماء أن يتنبأوا بشكل عام بطريق واتجاهات التقدم العلمي في المستقبل. فالأعمدة الثلاثة للعلم أي المادة والحياة والعقل قد عرفت من خلال تحطيم نواة الذرة وفك شيفرة نواة الخلية الحية إلى جانب تطوير الكمبيوتر الإلكتروني. وبإتمام فهمنا الأساسي للمادة والحياة عموماً فإننا نشهد إغلاق أحد الفصول الكبرى في تاريخ العلم. فثورة الكم/ الكوانتم هي أولى ثورات القرن العشرين وأكثرها أساسية قد ساعدت في زرع بذور الثورتين العلميتين اللاحقتين في حقلي المعلومات والبيولوجيا وفتحت آفاقاً غير مسبوقة من إمكانات التقدم في المستقبل(10).

    وإذا كان التحول إلى قوة المعرفة والمعلومات مؤكداً، فإن معايير القوة التقليدية ـ الأرض ـ الموارد ـ القوة العسكرية ـ القوة الاقتصادية ـ لن تختفي ولكنها ستصبح ذات أهمية ثانوية.

    لقد أدرك الأقوياء في عالم اليوم روح وآليات العصر، لذلك نراهم يتسابقون في مجالات تطوير البحث العلمي والبرمجيات وفي ميادين الاقتصاد المعرفي للاتصالات والذكاء الصناعي. ففي هذه الميادين سيكون صراع الأقوياء الذي يبدو بأنه سيكون صراعاً تكنولوجياً وعلمياً في المقام الأول، وسيدار على الأغلب بطرق سلمية تجنباً لإمكانية (الموت المفاجئ) الناجمة عن أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والنووية في حال استخدامها(11).

    فإذا أخذنا مجال البحث العلمي والتطوير على سبيل المثال باعتباره أحد أهم المؤشرات على إدراك دور وأهمية المعرفة في صياغة المستقبل، فإننا سنرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر دول العالم من حيث قيمة الإنفاق على البحث العلمي بمبلغ قدرة 179 بليون دولار، تليها اليابان بقيمة قدرها 133 مليار دولار ثم ألمانيا 55 مليار دولار، ثم فرنسا 36 مليار دولار وأخيراً إنكلترا بمبلغ 22 مليار دولار.

    وتعود نسبة ضخمة من الإنفاق على البحث العلمي إلى قطاع الأعمال والشركات الكبرى، حيث ينفق القطاع الخاص في الولايات المتحدة ما قيمته 129 مليار دولار أي بنسبة 72% من إجمالي الإنفاق، بينما يصل إنفاق القطاع الخاص في اليابان إلى 88 مليار دولار وبنسبة 66% وتصل النسبة إلى 66% في ألمانيا أيضاً، و65% في إنجلترا و62% في فرنسا.

    وبعيداً عن السيناريوهات المتفائلة والرؤيا التي تقدمها روايات الخيال العلمي للمستقبل، يمكن القول إن الكون بدأ يكشف لنا عن الكثير من أسراره وهناك الآن إمكانية لمعرفة المزيد من أسرار الحياة والتطبيقات الممكنة للعلم والتكنولوجيا بحيث بتنا أكثر قرباً من حلم ((أينشتاين)) بإيجاد ((نظرية لكل شيء)) بما في ذلك التحكم في البعد الرابع والسفر بين النجوم وضمان استمرارية الجنس البشري في مواجهة الأخطار الكونية المحتملة(12).

    #أثر ثورة المعلومات على التطور الديمقراطي في العالم العربي:

    إذا كان العصر الراهن عصر ما بعد الحداثة فلسفياً، فإنه عصر المعرفة على صعيد العلم والتكنولوجيا. وحيث أن ثورة المعلومات والاتصالات تشكل واحدة من أبرز ملامح مجتمع المعرفة البازغ مع تنامي ظاهرة العولمة في العقدين الأخيرين، فإن رصد الآثار والتجليات القائمة والمحتملة لثورة المعلومات والاتصالات على عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي الذي فوت المد الديمقراطي الذي شمل العديد من الدول والمناطق خلال ما سمي بالموجة الثالثة للتحول الديمقراطي، سيبقى أمراً على غاية الأهمية والراهنية.

    فما هي انعكاسات هذه الثورة على نظم الحكم العربية؟ وإلى أي مدى يمكنها أن تشكل تحدياً للتسلطية ودعماً للانفتاح السياسي والتحول الديمقراطي في المنطقة؟ وما هي حدود تأثيراتها على بنية ودور المجتمع المدني في بلداننا، ثم ما هي نتائج كسر احتكار المعرفة من قبل الدولة، وكيف يمكن فهم دور التقنيات الحديثة في تأثيرها على الرأي العام؟

    ينقسم الباحثون في الإجابة عن الأسئلة السابقة إلى موقفين أساسيين، يرى أصحاب الموقف الأول أن الانعكاسات التي تسببها الثورة العلمية في مجال الاتصالات والمعلومات باتت واضحة ومؤكدة ويصعب تجاهلها، بينما يرى أنصار الموقف الثاني أن آثار ونتائج هذه الثورة ما زالت محدودة التأثير وضعيفة الفاعلية لأسباب عديدة ووجيهة في رأيهم.(13)

    يستند أصحاب الموقف الأول إلى خبرات عديدة برهنت التكنولوجيا من خلالها على فاعليتها في التأثير على مجرى الأحداث. فمنذ ما يزيد عن خمسة قرون ساهمت مطبعة ((غوتنبرغ)) في كسر الاحتكار الكهنوي للمعرفة عموماً وللكتاب المقدس بصفة خاصة، وبالانتقال إلى العصر الحديث يتضح الأثر الواضح لتقنية أشرطة الكاسيت وإسهامها المباشر في نشر خطب وتعاليم الإمام الخميني قبيل وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وكان واضحاً الدور المركزي لأجهزة الفاكس في التغيرات التي شهدتها روسيا إبان ((البروستريكا))، وصولاً إلى تمكّن أنصار العولمة البديلة من الاست

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 14 مايو 2024 - 19:59